الهيدروجيلات المستدامة: مواد ذكية لمعالجة التلوث البيئي مقالة علمية للتدريسية ا.م.د اساور اسعد محمد

المقالة العلمية (الهيدروجيلات المستدامة: مواد ذكية لمعالجة التلوث البيئي) لــــ ا.م.د اساور اسعد محمد  

برزت الهيدروجيلات المستدامة كمواد واعدة لمعالجة التلوث البيئي، ولا سيما تلوث المياه بالمعادن الثقيلة والأصباغ العضوية والزيوت. تجمع هذه الشبكات البوليمرية ثلاثية الأبعاد والمترابطة بين احتوائها مائي العالي وخصائص فيزيائية وكيميائية ذات خصائص يمكن التحكم بها، مما يجعلها مثالية لإزالة الملوثات بطريقة صديقة للبيئة. ورغم فعالية الطرق التقليدية، فإنها تعاني غالباً من عيوب مثل ارتفاع التكاليف، وضعف الانتقائية، والتسبب في تلوث ثانوي. وعلى النقيض من ذلك، تتميز الهيدروجيلات بمسامية عالية، وسلوك انتفاخ ممتاز، وقدرة انتقائية على التفاعل مع الملوثات، مما يجعلها بديلاً مستداماً.

ومن أهم التطورات في تصميم الهيدروجيلات المستدامة إدخال البوليمرات الطبيعية في تركيبها. إذ أن البوليمرات الحيوية المتجددة والقابلة للتحلل — مثل السليلوز، والكيتوسان، والألجينات، والنشا — متوافرة بكثرة، ومتوافقة حيوياً، وغير ضارة بالبيئة..

ويسهم دمج هذه البوليمرات في شبكات الهيدروجيل في اختزال التلوث البيئيي لعمليات الإنتاج، وخفض استهلاك الطاقة والبوليمرات الصناعية، كما يضيف خصائص وظيفية متأصلة. على سبيل المثال، يوفر الكيتوسان مجموعات أمينية ترتبط بالمعادن الثقيلة، بينما تزود الألجينات الهيدروجيل بمجموعات كربوكسيلية ترتبط بالكاتيونات. ويسهم هذا النهج القائم على البوليمرات الحيوية في تعزيز انتقائية الهيدروجيلات وقدرتها على الامتزاز، مع الحفاظ على قابليتها للتحلل الحيوي.

وتُظهر الهيدروجيلات القائمة على البوليمرات الطبيعية فعالية خاصة في إزالة المعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والزئبق من المياه. إذ تساعد المجموعات الوظيفية مثل الكربوكسيل والهيدروكسيل والأمين على تبادل الأيونات وتكوين المعقدات، مما يمكّن من امتصاص المعادن بسرعة وانتقائية. علاوة على ذلك، يمكن تجديد هذه الهيدروجيلات باستخدام معالجات حمضية بسيطة أو مواد مخلبية، مما يتيح إعادة استخدامها مرات عديدة ويقلل من النفايات.

إلى جانب المعادن، تتعامل الهيدروجيلات الطبيعية أيضاً مع  الكثيرالملوثات العضوية.

 إذ تتفاعل مع الأصباغ الأنيونية والمستحضرات الصيدلانية من خلال قوى كهروستاتيكية، وروابط هيدروجينية، تاخلات π-π. كما تعمل الهيدروجيلات الذكية، المستجيبة لتغيرات في

pH الهيدروجيني أو درجة الحرارة أو القوة الأيونية، على تحسين كفاءة الإزالة وسهولة التجديد. علاوة على ذلك، فإن دمج البوليمرات الطبيعية مع جسيمات نانوية ضوئية محفزة مثل ثاني أكسيد التيتانيوم (TiO₂) يعزز من أداء الهيدروجيلات، مما يتيح تحلل الملوثات العضوية تحت تأثير الضوء، ويجمع بين الامتزاز والانحلال التحفيزي. ويدعم هذا الابتكار بشكل مباشر الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة (المياه النظيفة والصرف الصحي)، إذ تسهم الهيدروجيلات في تحسين جودة المياه من خلال إزالة المعادن الثقيلة والأصباغ والزيوت والأدوية الناتجة من الجرع المفرطة من مصادر المياه الملوثة، مما يقلل التلوث ويعزز ممارسات الإدارة المستدامة للمياه. وقد أظهرت مشاريع تجريبية في الصين والهند.

استخدمت هيدروجيلات قائمة على الكيتوسان وأخرى ذكية على التوالي، نجاحاً ملحوظاً في هذا المجال، بما يتماشى مع الهدف 6.3 (تحسين جودة المياه من خلال تقليل التلوث) والهدف 6.4 (زيادة كفاءة استخدام المياه عبر القطاعات والمجتمعات).

وفيما يلي أمثلة توضح كيف تدعم تقنيات الهيدروجيل أهداف الاستدامة من خلال الحفاظ على الموارد، وتقليل التلوث، وتعزيز الممارسات الصناعية والزراعية الصديقة للبيئة:

 تنظيف بقع النفط في البيئات البحرية-1
طور الباحثون هيدروجيلات مصممة بخصائص فائقة الكره للماء والمحبّة للزيوت لامتصاص النفط بشكل انتقائي مع صد الماء. فعلى سبيل المثال، بعد حادثة تسرب النفط في ديب ووتر هورايزن عام 2010 في خليج المكسيك، اقتُرح استخدام ممتزات قائمة على الهيدروجيل لتنظيف المياه الملوثة بكفاءة دون الإضرار بالحياة البحرية، مما يبرز دورها المستدام في التخفيف من آثار الحوادث الصناعية.

 إزالة المعادن الثقيلة من مياه الصرف الصناعي في الصين-2
تم استخدام هيدروجيلات قائمة على الكيتوسان بنجاح في مشاريع تجريبية لإزالة الرصاص والكادميوم من مياه الصرف الصناعي في مناطق ملوثة بشدة في الصين. وقد خفضت هذه الهيدروجيلات تركيزات المعادن السامة إلى المستويات المسموح بها تنظيمياً، كما أعيد تجديدها واستخدامها عدة مرات، مما خفف من التكاليف التشغيلية والأثر البيئي.

 معالجة مياه الصبغات في صناعة النسيج في الهند-3
تم تطبيق هيدروجيلات مُعدلة بالبوليمرات الطبيعية والجسيمات النانوية في مناطق تصنيع النسيج لإزالة أصباغ الآزو من مياه الصرف الصناعي. ولم تعمل هذه الهيدروجيلات الذكية على تحسين كفاءة إزالة الأصباغ فحسب، بل ساهمت أيضًا في تقليل كمية الرواسب الصلبة الناتجة عن استخدام المواد الكيميائية، بما يتماشى مع ممارسات الإدارة المستدامة للمياه في المناطق التي تعاني من شح الموارد المائية…

 احتباس المياه الزراعية في المناطق القاحلة-4
في أجزاء من إفريقيا والشرق الأوسط، تم إدخال مواد هيدروجيل قابلة للتحلل كمواد مضافة للتربة تساعد على احتباس الماء في التربة الجافة، مما يقلل من الحاجة إلى الري المتكرر ويزيد من غلة المحاصيل. ويسهم هذا التطبيق في تعزيز الزراعة المستدامة من خلال الحفاظ على المياه وتحسين الأمن الغذائي.